-A +A
رامي الخليفة العلي
بالرغم من أن تصريحات وزير الخارجية اللبناني السابق شربل وهبة جاءت مفاجئة وصادمة إلا أنها لم تكن خارج السياق الذي يسير فيه الوضع اللبناني على امتداد السنوات الماضية، فالمنطق الطائفي والعنصري يسود على مستوى الخطاب الإعلامي دون حسيب أو رقيب، وإذا كان في هذه المرة استهدف فئات اجتماعية واسعة تنتمي إلى البداوة والتي تمثل هوية نفخر بها وليست نقيصة إلا على من يعتبرها كذلك، إلا أن الخطابات العنصرية توالت على امتداد السنوات والعقود الماضية وبحسب التطورات التي تمر بها بلاد الأرز. فقد تعرض السوريون خلال السنوات الماضية إلى أعمال عنصرية لم تقتصر على بعض الغوغاء الذين استطاعوا الإفلات من العقاب بسبب انتماءاتهم الحزبية خصوصا الانتماء لميليشيات حزب الله المسيطر عمليا على مفاصل السلطة في لبنان، وإنما وصل الأمر إلى كبار المسؤولين وخصوصا الذين ينتمون إلى التيار الوطني الحر بما يمثله هؤلاء من خطاب بدأ يسود خلال السنوات الماضية وخصوصا بعد التحالف بين عون والميليشيات الإيرانية. إذاً، فإن خطاب شربل وهبة لم يكن سوى استمرار في هذا النسق العام الذي ميز لبنان وكان متأثرا بالخطاب الإيراني الذي كرس المذهبية والطائفية على امتداد العقود الأربعة الماضية.

إيران وعلى لسان قادة في الحرس الثوري اعترفوا بأنهم يحتلون أربع عواصم عربية وعلى رأسها بيروت عبر ميليشيات حزب الله، وهذه الأخيرة تعلنها جهارا نهارا بأنها جزء من ولاية الفقيه وأن تمويلها يأتي من النظام الإيراني. ووفقا للقانون الدولي فإن الدولة المحتلة يجب أن تقوم بأعباء البلد المحتل الاقتصادية والأمنية. ولكن إيران وصلت إلى صيغة بحيث تجند أتباع وعملاء يقومون بالمهام ويسوقون بلادهم إلى الخراب الاقتصادي والاجتماعي والأمني، ومع ذلك يتخيل المرء أن هناك حدوداً لهذا الخراب وأن هؤلاء العملاء يضعون مصالح بلادهم ولو في المرتبة العاشرة ولكن هذا لم يحدث أبدا، فقد أوصلت ميليشيات حزب الله ومن يلوذ بها ومن سكت ويسكت عليها إلى الهاوية. الحضيض الذي يعيش فيه لبنان بدأ يؤثر على كل مناحي الحياة ابتداء من القمامة وصولا للكهرباء، من الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة إلى المخدرات وزراعتها والاتجار بها، من الفوضى الأمنية وعدم قدرة الدولة على الوقوف بوجه عتاة المجرمين إلى الفوضى العسكرية التي تجعل حزب الله الطرف الأقوى عسكريا. إرادة التخريب التي تسود لبنان لم تعد تقتصر على المواطن داخل البلاد بل تسعى إلى ضرب الاقتصاد اللبناني في أكبر مصدر يقتات عليه لبنان وهو العمالة اللبنانية في الخارج، وذلك عبر تخريب علاقة لبنان بالدول العربية التي تستضيف أكبر الجاليات اللبنانية، فخرج الوزير اللبناني بلغة لا تليق بزعران الليل فما بالك بشخص يفترض أن يكون رأس الدبلوماسية اللبنانية. إنه لبنان الجديد يا سادة، إنه النموذج الذي يريد النظام الإيراني تعميمه على العالم العربي برمته، هذا هو حكم الميليشيات الإيرانية عندما تصل ببلدانها إلى الحضيض.